قال الله تعالى ((اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ

الأحد، 25 أغسطس 2013

هذه هي الأسباب المفصليّة التي تدفع المغاربة للاحتجاج بالشوارع

منذ سنتين ونيف انخرط المغاربة في سلسلة من الاحتجاجات بوتيرة عالية أكثر من سابقاتها، كانت حركة "20 فبراير" فتيلها، وأبطل المغاربة صورة الخنوع النمطية المعروفة عنهم، احتجاجات أبانت عن المغربي الكامن وراء صورة المسالم والمتسامح والمواطن الذي يطلب فقط أن تستمر الحياة، بحلوها ومرها ويحمد الله على نعمة البلاد.
المغاربة شعب مسالم، شعب يريد أن يعيش حياة هادئة، ولا قبل له بالمشاكل أو بالاحتجاج، هل هذه حقيقة المغاربة؟ أم أن الشعب المغربي قد يتماوج غضبا ساعة الرفض..؟
شوارع المملكة أثبتت أن الاحتجاج سمة مغربية كلما تعلق الأمر بأسباب قد تبدو متناقضة، لكنها تصب في اتجاه واحد.. القلق النفسي إذا امتزج بالقهر الاجتماعي أو الاقتصادي، يخرج المغاربة إلى الشارع.. صورة طفل يموت في حضن أبيه على بعد آلاف الكيلومترات، مثل هدف يتلقاه مرمى المنتخب، كلاهما يكفيان لتجتمع الحشود على موعد يهز الشوارع، منزل يهدم أو هوية تطالب أبناءها بالانبعاث من رماد الذل والهوان، تستحق أن تشد الرحال إلى العاصمة لرفع الشعارات واللافتات، شعيرة تنتهك أو مجاهرة بالفساد تستنفر هذا الشعب، فيتحول إلى سيل غضب لا يوقفه شيء.
هل يعي المغاربة أن التاريخ لا يرحم الساكت عن الحق؟ أم أن الخروج والاحتجاج أمر عفوي.. مهما برع المحلل النفسي وعالم الاجتماع ورجل السياسة في التحليل أو الاستباق، فإن الجواب يبقى عند المغاربة أنفسهم.
الحكرة
"الحكرة" هي ظلم ولا مساواة اجتماعية تقف على طرف نقيض للكرامة، كلمة وحدت بين جميع الأطياف من سلفيين وأمازيغ ويساريين وإسلاميين ومواطنين لا يفقهون في الإيديولوجيات. شعور لا يعبر عنه ولا يكشف من خلال حالات البوح الفردية أو الجماعية بل هو أساسا "مشهد حدث" يتم التقاطه وتشاركه.
آلاف المواطنين خرجوا إلى الشارع بمدينة ميدلت للتضامن مع هشام الميكانيكي في قضية "بوس الصباط"، بعد أن أجبره نائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية على تقبيل حذائه. خرج المواطنون إلى الشارع وجاؤوا من كل أقاليم المملكة لمؤازرة الشاب، منددين بالتصرف المشين والمذل، لمن يفترض فيه إقامة العدالة وإنصاف الحقوق.
تعذيب نفسي، سب وشتم، إهانة ودوس على الكرامة لشاب ذنبه الوحيد أنه لم يجد من يحميه. فبعد خلاف بسيط في ورشة إصلاح السيارات بين هشام ونائب الوكيل الذي جاء لتفقد سيارته، يفاجأ الميكانيكي برجلي أمن بلباس مدني يصطحبانه إلى مخفر الشرطة حيث تنتظره "الحكرة" وأحذية جاهزة للتقبيل، لإكراهه على طلب الصفح على ذنب لم يرتكبه. انحنى هشام وبين عينيه صورة زوجته ورضيعة وأم مريضة وأب مقعد، لكنها انحناءة أدت إلى انتفاضة مدينة بأكملها للاحتجاج بصوت عال ورأس مرفوع طلبا "للكرامة".
ظل مفهوم "الحكرة"، وإلى وقت قريب ملتصقا بالواقع اليومي لمواطنين بسطاء، اعتادوا على "حكرة" رب عمل يساوم على الأرزاق بهزالة الأجور وهضم الحقوق الاجتماعية، وحكرة "المقدم" الذي يتاجر في الأوراق الرسمية ومصالح المواطنين الورقية ببعض الأوراق النقدية، و"حكرة" أطباء بدم بارد يلعبون بآلام الناس ومعاناتهم.
مجتمع "يحكر" فيه الغني الفقير، والقوي الضعيف، وصاحب النفوذ غيره، والأعلى من هو أسفل منه تراتبية في سلم الحياة حتى أصبحت "الحكرة" مفهوما عاديا تأقلم معه الأفراد وأصبح يسري في عروق حياتهم اليومية. مسؤولون سامون تعجرفوا، وتعالوا وأصبحوا أبطال نوازل لإهانة الانسان والدوس على كرامته، وأحيانا تجريده من آدميته عندما شبهت وزيرة الصحة السابقة طريقة ولادة النساء بطريقة ولادة البقر.
مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، ومغرب ما بعد " 20 فبراير" ليس هو مغرب ما قبل. الحركة التي رفعت شعارات "الكرامة" و"الاحترام" و"الحق" في المقدمة، علمت المواطن البسيط كيف يغضب ويحتج ويثور عند النيل من كرامته.
الكاريانات
أصبح الاحتجاج كل أيام الأسبوع تقليدا لسكان الأحياء الصفيحية، يخرجون إلى الشارع للتعبير عن مطالبهم بالاستفادة من إعادة الإسكان والبقع الأرضية. فما يكاد يخرج قاطنو أحد الأحياء حتى ينتفض آخرون ممن يقاسمونهم الحياة البئيسة نفسها في شكل وقفات ومسيرات حاشدة.
"هذا مغرب الله كريم، لا سكن لا تعليم"، "علاش جينا واحتجينا؟ مافيا العقار طغات علينا"، و"الله عليك يا مغرب، السكن بالمراحيض والموت بالقوارب"، و"المحاكمة الفورية، للمافيا العقارية" وشعارات أخرى غيرها أبدعها سكان "كاريانات الدار البيضاء والمنازل الآيلة للسقوط والمهددون بالإفراغ من أجل الاحتجاج على وضعهم. آلاف الأسر مرغمة على مغادرة بيوتها والبقاء في الشارع بسبب قرارات الإفراغ والهدم، دون توفير سكن لائق بديل في حرب يومية على "مافيا العقار".
سنوات عديدة من الاحتجاج قابلتها السلطات المحلية بالحياد أحيانا وأحيانا أخرى بمنع الوقفات والمسيرات التي تجوب الشوارع الرئيسية للعاصمة الاقتصادية. مشاريع السكن الاجتماعي، وأسماء لشركات ضخمة ساهرة على محاولة تدبير سكن بالتنافس، لإنشاء إقامات هنا وهناك مقابل تسبيق واقتطاعات شهرية تناسب ذوي الدخل المحدود، لكن المحتجين الذين احتجوا في الشارع منذ سنوات أغلبهم مسنون وأرامل، لا يتوفرون على دخل قار يمكنهم من دفع مبالغ للشقق المقترحة مقابل ترحيلهم من البقع، التي عاشوا بها أزيد من نصف قرن.
كاريان سيدي مومن، كاريان سنطرال، ودوار لفيلية ، ودوار السكويلة ، والكريمات، وكازا، ومزاب، ومونتكي، ودوار امبيركو، بدرب غلف، هي أحياء فقط من مغرب يعيش فيه أكثر من مليوني شخص في منازل ومساكن عشوائية، وأحياء غير صالحة للسكن، وهو ما يعادل 400 ألف أسرة مغربية من ذوي الدخل المحدود مهددون بأحكام الإفراغ، ثم التشرد أمام ارتفاع أسعار العقار وضعف القدرة الشرائية.
كاريانات كانت وجهة المهاجرين وخصوصا البدو ومن مختلف جهات المغرب جعلتها مغربا مصغرا، حيث يوجد الدكالي والرحماني والشلح والباعمراني والسوسي. هم العمال الذي بنوا بقوة سواعدهم مدينة الدار البيضاء وأسسها الصناعية وطرقها، لكن لا أحد فكر في بناء مساكن لهم في عالم يفكر فيه آخرون في امتلاك بيت في القمر.
العطالة
ما يزيد عن عقد من الزمن، ومازالت الاحتجاجات المطالبة بالحق في الشغل في صفوف المعطلين تتزايد بارتفاع الطلب على التشغيل، وتزايد تدفق أفواج خريجي نظام التربية والتكوين موازاة مع محدودية عروض الشغل التي يوفرها الاقتصاد الوطني.
أزمة البطالة دفعت المعطلين ومن بينهم معطلون مكفوفون لابتكار أشكال نضالية، أهمها الدخول في اعتصامات شبه يومية أمام مبنى البرلمان ورفع شعارات منددة بنهج سياسة الأذن الصماء، والإقدام على ربط الأيدي بالسلاسل، واقتحام المقرات الحكومية والحزبية، كما حدث مع مقر حزب الاستقلال، وإحراق الذات التي أودت بحياة عبد الوهاب زيدون الذي صب مادة البنزين على جسده وفضل الموت على "الشوماج".
المئات من المعطلين ينضوون تحت تنظيمات متعددة (الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، وحركة متضرري شركة النجاة الإماراتية، واتحاد الأطر العليا ومجموعة النصر والائتلاف والوحدة، ومجموعة التكوين التأهيلي، ومجموعة المكفوفين حاملي الشهادات.) يحتكرون شارع محمد الخامس بمسيراتهم ووقفاتهم التي تطالب الحكومات المتعاقبة بحل لأزمتهم وإدماجهم في سوق الشغل، تنتهي في الغالب بالتدخل الأمني العنيف والضرب المبرح ينتج حالات إغماء وجروح وكسور وأحيانا عاهات مستديمة وآثار نفسية عميقة.
الاحتجاجات عرفت بؤرا للتوتر ترجمتها أحداث عنيفة. فمدينة بنكرير عرفت مواجهات بين الأمن والمعطلين المطالبين بالتعيين المباشر في شركة الفوسفاط. أما في آسفي فحوكم معطلون بالسجن أربعة أعوام، بعد قيامهم بإحراق ممتلكات عامة ومهاجمة الشرطة. مدينتان تتواجدان في منطقة بها ثاني أدنى نصيب للفرد من الناتج المحلي الاجمالي وأعلى نسبة للفقر وأوسع تفاوت للدخل.
أما سيدي إفني فعرفت سقوط عشرات الجرحى في 2006 بعد محاصرة المعطلين المطالبين بتوزيع عادل لثروات المدينة لميناء سيدي إفني، حيث تقف سفن محملة بالأسماك في منطقة يعتبر الصيد أبرز أنشطتها الاقتصادية.
أحداث سيدي إفني تكررت في مدينة تازة فيما يسمى بأحداث الكوشة، حيث نظم المحتجون مسيرة يطالبون فيها بالحق في العمل ليقابلوا بعنف الأمن، فتدخل بعدها سكان حي الكوشة لمساندتهم ومواجهة الرصاص المطاطي.
كرة القدم
حنق على "غيريتس" وراتبه الخيالي، أخرج المغاربة للاحتجاج في الشارع رافعين شعارات " ارحل غيريتس"، على خلفية النتائج السلبية التي حصدها المنتخب الوطني لكرة القدم بعد أن باع الوهم للمغاربة. علي الفاسي الفهري رئيس الجامعة الذي رفعت في وجهه لافتات الرحيل والمحاسبة أيضا، لم يتوان هو و"غيريتس" عن إطلاق تصريحات مطمئنة حول تحضيرات المنتخب وحظوظه الكبيرة للوصول إلى أدوار متقدمة، قبل أن يفاجأ الجميع وفي كل مرة بنتائج كارثية. تراكمات جعلت المغاربة يخرجون لأول مرة في مسيرات منظمة إلى الشارع فقط للاحتجاج على التسيير الجامعي والراتب الخيالي لـ"غيريتس"، الذي تشبثت الجامعة ببنوده السرية على حساب استنزاف جيوب المغاربة، مقابل نتائج هي الأسوأ في تاريخ كرة القدم المغربية.
مباريات كرة القدم متعة في الملعب وتنقلب إلى إعصار مدمر يجوب شوارع المدن، وخصوصا في المقابلات الحساسة والحاسمة كالديربي بين الرجاء والوداد البيضاويين، الذي يعرف كل سنة أعمال شغب عنيفة أبطالها مراهقون يكسرون الحافلات والسيارات، وواجهات المحلات، يعترضون سبيل المارة ويعنفونهم لفظيا وجسديا، إن تصادف وأن لبسوا لون الفريق "العدو"، فالأحمر والأخضر ألوان "حياة أو موت" بالدار البيضاء.
أعمال محظورة بمقتضى القانون وتدخل في إطار تخريب الممتلكات العامة، لكنها وفي علم السوسيولوجيا تدخل في إطار التعبير عن الفرد والجماعة، والاحتجاج على تراكمات غضب لا يتم التفريغ عنها إلا في مدرجات الملاعب أو الشوارع كوسيلة احتجاج عنيفة يتبناها المراهقون بشكل فوضوي وعشوائي وغير منظم.
كرة القدم تخرج المغاربة للشارع حزنا، وقد تخرجهم فرحا أيضا في حالة حصد نتيجة إيجابية، فيجد المغاربة أنفسهم وبدون ضرب موعد سابق مجتمعين في الشارع العام وفي ساحات المدن الرئيسية يحتفلون عبر رفع الرايات وترديد الأناشيد الوطنية، على عكس الاحتجاجات الرياضية العنيفة التي يطغى عليها السب والشتائم والشعارات غير الأخلاقية، لحظات للفرح عابرة تؤدي غالبا إلى عودة الاحتقان بتزايد إخفاقات المنتخب المغربي.
الأخلاق
لم يكن ممكنا للمغاربة أن يمرروا "العفو الفضيحة" الذي استفاد منه البيدوفيل الإسباني دَانيال غالبان فينا دون أن يخرجوا للشارع لإبداء الرفض المطلق لأي تسامح مع الماس ببراءة الطفولة، فما البال بمغتصب 11 ملاكا غادر السجن رغما عن إدانته بـ30 عاما من "بُوغْمْغَامْ" وفق التعبير الدّارج للمغاربة.. بل حتى أولئك الذي يجاهدون في تجنّب التظاهر لم يجدوا حرجا، في هذه المناسبة، وهم يجاهرون بكلمة "لا" ضدّ تدبير نبع من القصر الملكي بشكل مباشر.
سبق أن اندلعت أزمة أخلاق بمدينة القصر الكبير على إثر ما أشيع أنه حفل زفاف مثليين، نتج عنها الآلاف ممن خرجوا في مظاهرة للتنديد وممارسة العنف ورجم بيت "العريسين" والهرولة وراءهم في الشارع دفاعا عن الأخلاق والقيم و"ثوابت الأمة" وانتقاما لشرف المدينة.
حفل حضره أكثر من 50 شخصا من سكان المدينة شاهدين على الحفل الذي أقامه شخص من ذوي السوابق يسمى فؤاد، وفيما وقفت السلطات موقف المتفرج لغياب سند قانوني يثبت واقعة الزواج، انتفض آلاف القصراويين ابتداء من حي "الديوان" الشعبي بالمدينة القديمة، حيث يوجد المنزل الذي شهد مراسيم الاحتفال الذي شابته العديد من الطقوس الخرافية وممارسات الشعوذة، في محاولة لأخذ حقهم بعيدا عن القانون، معتبرين أن مهمة حماية الأخلاق موكولة لهم، وهاجموا محل تاجر مجوهرات بتهمة تشجيع "الشذوذ" الانحراف الجنسي.
مواطنون استنكروا الحادث وظلوا يتوعدون من اعتقدوا جازمين أنهم "لطخوا" سمعة مدينة محافظة اشتهرت بطلب العلم وإنجابها لكتاب وشعراء معروفين. مسيرات احتجاجية وموجات غضب هادرة، اختير لها من الأيام الجمعة بعد صلاة الظهر، ساروا تحت الأمطار ورددوا اللطيف ورجموا بيت "العريسين". الاحتجاج كان بالمشاعر أيضا بذرف دموع الحسرة وترديد عبارات " هذا عار، هذا عار، القصر في خطر". خطر، وغضب، وخنق هي مشاعر وحدت بين قصراويين تضامن معهم سكان من مناطق مغربية أخرى للتنديد "بالمنكر" ومخالفة "الأخلاق العامة".
"الدعارة" تسبب هي الأخرى أزمة للأخلاق ومعاكسة للقيم، دفعت سكان عين اللوح للاحتجاج بقلب الأطلس المتوسط، بعد أن ارتبطت صورتها بالفساد الأخلاقي والسياحة الجنسية. هي حرب على الدعارة أعلنها سكان المنطقة ورفعوا شعار " عين اللوح بلدة بدون دعارة" بعد أن أصبح مصدر الرزق الوحيد لعدد من الفتيات يصل عددهم لقرابة 800 فتاة، هو الاشتغال "كعاملات جنس" نظرا لظروف الإقصاء والهشاشة والتهميش. وسمى السكان حربهم واحتجاجاهم على الدعارة "حملة تطهيرية" قامت بها "لجان شعبية" لمراقبة ومحاصرة الأماكن التي تتخذ من تجارة الأجساد مصدرا لدخلها. وعلى الخطى نفسها، خرج سكان سيدي حرازم وبعض المناطق المجاورة في احتجاجات للمطالبة برفع الضرر عن المنطقة لكي لا تصبح " الدعارة منفذا وحيدا لأغلب العائلات، ثم نهجت مجموعة من مناطق المغرب تنظيم مسيرات ووقفات واحتجاجات على انتشار بيوت الدعارة وسط الأحياء السكنية.
فلسطين
كلما استجد أمر في فلسطين أو العراق إلا وكان له انعكاس في المغرب، في إطار ما يسمى بالدفاع عن قضايا الأمة. هذا التفاعل مع القضايا العربية الإسلامية ليس تفاعلا عفويا فقط. بل إن بعض النشطاء أسسوا تنظيمات لهذا الغرض أبرزها تنظيم المجموعة الوطنية لمساندة العراق وفلسطين، الذي تحول فيما بعد إلى مجموعة العمل من أجل فلسطين التي ينسقها المحامي خالد السفياني.
نظمت العديد من المظاهرات في المغرب تضامنا مع القضية الفلسطينية على وجه الخصوص، سواء المسيرات الوطنية التي تنظم في الرباط والدار البيضاء أو المسيرات والوقفات التي تنظم في العديد من المدن. وكانت آخر المحطات في هذا الاتجاه المسيرة المليونية التي نظمت في مارس من السنة الماضية بدعوة من الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، تضامنا مع فلسطين وسوريا.
هذه المسيرة واحدة من المحطات التي ترجمت التفاعل السريع للشعب المغربي مع القضايا المرتبطة بالعالم العربي والإسلامي، إذ كانت قبلها مسيرات ووقفات في العديد من المدن. أبرزها تلك التي تفاعلت مع الأوضاع في فلسطين، إذ خرج المغاربة منددين بالعدوان الصهيوني على فلسطين في الانتفاضة الثانية سنة 2000، كما خرج المغاربة كذلك منددين بالقصف الصهيوني للبنان لما نشبت الحرب بين الصهاينة والجناح العسكري لحزب الله على الحدود اللبنانية الفلسطينية. وغيرها من المحطات التي أبانت عن جاهزية الشعب المغربي للاستجابة السريعة لما يقع في الأقطار العربية وفلسطين على وجه الخصوص.
القضية الفلسطينية من الأسباب التي أخرجت أكبر المسيرات في المغرب، فرغم انشغاله برياح الربيع العربي والتظاهر في إطار حركة " 20 فبراير" إلا أنه لم ينس التظاهر والاحتجاج من أجل القضية الفلسطينية التي يعتبرها قضية من قضايا الأمة.
تمَازيغت
قبل ترسيم الأمازيغية في دستور المملكة وبعد الترسيم، ما فتئت القضية الأمازيغية تؤجج الجماهير في العديد من المدن، خصوصا المدن المعروفة بتركيز كبير للساكنة الأصلية الأمازيغية كمدن سوس والريف والأطلس
. ففي الحراك الشعبي الذي عرفه المغرب بقيادة حركة " 20 فبراير"، كانت جل المسيرات التي تنظمها الحركة لا تخلو من أعلام أمازيغية وشعارات تطالب برد الاعتبار للهوية والإنسان الأمازيغيين، وترسيم اللغة الأمازيغية في الدستور إلى جانب اللغة العربية. وحتى بعد أن أقر الدستور اللغة الأمازيغية باعتبارها لغة رسمية خرج العديد من النشطاء الأمازيغ إلى الشارع للتعبير عن مطالب مرتبطة بالقضية التي يناضلون من أجلها.
إذا كانت آخر المحطات الاحتجاجية في هذا الإطار ما عرف بداية هذه السنة بمسيرة "توادا"، وهي المحطة التي تخرج النشطاء الأمازيغ كل سنة، لكن هذه السنة كان لها طعم خاص لعدة اعتبارات: أبرزها أنها جاءت في سياق الربيع العربي، وأنها جاءت بعد ترسيم اللغة الأمازيغية في دستور البلاد. هكذا خرج النشطاء الأمازيغ في بعض المدن أبرزها إنزكان والرباط ومدن الريف. فتعرضت مسيرة انزكان لتدخل رجال الأمن، في حين حوصرت مسيرة مدينة الرباط.
وكانت مطالب "توادا": الاعتراف بأمازيغية المغرب بصفة خاصة وشمال إفريقيا بصفة عامة، الإقرار بكافة الحقوق الأمازيغية، السياسية والهوياتية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية للشعب المغربي، إلغاء الضهائر والاتفاقيات التي يصادر بها النظام السياسي الأراضي والثروات من أبناء الشعب. الإفراج الفوري عن معتقلي القضية الأمازيغية بدون قيد أو شرط ورد الاعتبار للذين أمضوا فترة الاعتقال وحكم عليهم بالبراءة. والاستفادة الجماعية من الثروات البحرية، المنجمية والفلاحية، ثم إعادة الاعتبار لرموز المقاومة وجيش التحرير (عباس المسعدي، عبد الكريم الخطابي، عسو أوباسلام، أمغار سعيد، زايد أحماد).
ليست القضية الأمازيغية وحدها التي تخرج المغاربة إلى التظاهر في الشارع، بل إنهم يخرجون للتظاهر من أجل العديد من الأمور والقضايا التي ترتبط بـ"مغربيتهم" أبرزها المسيرات الحاشدة التي عرفتها مدينة الدار البيضاء لمؤيدي دستور 2011 قبيل التصويت عليه. إذ امتلأ شارع محمد السادس بالدار البيضاء عن آخره بالمتظاهرين.
الحريات الفردية
طفا على السطح في الآونة الأخيرة نقاش الحريات الفردية في المغرب، وظهر العديد من النشطاء المطالبين بتحقيق هذه الحريات الفردية.
إذ كان أكبر حدث في هذا الاتجاه، الإفطار العلني الذي اعتزم تنظيمه بضعة شبان مغاربة، أطلقوا على أنفسهم اسم "الحركة البديلة من أجل الدفاع عن الحريات الفردية"، التي باتت تعرف اختصارا بـ"مالي"، في رمضان من سنة 2009 احتجاجا على القانون الجنائي المغربي الذي يجرم الإفطار العلني في نهار رمضان. وما حال بينهم وبين تنفيذ إفطارهم، الذي اختاروا مدينة المحمدية فضاء له، هو السلطات الأمنية.
رغم أن الفئة التي تحتج من أجل الحريات الفردية قليلة جدا بالمقارنة مع من يخرجون للاحتجاج على أمور أخرى، إلا أن النقاش الذي يفتح كلما قرر أحدهم الاحتجاج من أجل الحريات الفردية، يتضخم بشكل يجعل هذه التظاهرات رقما لا يمكن القفز عليه. وما يزيد كذلك من تضخيم هذا النقاش هو وجود فئات عريضة من المجتمع مناوئة لهؤلاء الذين ينصبون أنفسهم مدافعين عن الحريات الفردية. الأمر الذي يخلق اتجاهين في قضية واحدة: مؤيد ومعارض. وهو الأمر نفسه الذي حدث حين أنشأت بعض النساء صفحة على "الفايسبوك" سموها "فيمن ماروك"، وذلك لغرض عرض صور صدورهن عارية عليها، احتجاجا على ما يعتبرونه وضعا مهينا للمرأة في المجتمع المغربي، وتغيير النظرة النمطية تجاهها، أنشأ آخرون صفحة أخرى مضادة لـ "فيمن" أطلقوا عليها "جسدي ملك لربي". إشارة من أصحاب الصفحة إلى تحريم عرض الجسد في صفحات "الفيسبوك" وتبخيسا منهم لحركة "فيمن ماروك".
الغلاء
إصابات في صفوف المواطنين والقوات العمومية واعتقال عدد من المواطنين، هذه هي حصيلة الاحتجاجات التي عرفتها مدينة مراكش في دجنبر من السنة الماضية احتجاجا على غلاء فواتير الماء والكهرباء.
الاحتجاج على الغلاء لم ينطلق من مراكش بل كان له سياق آخر، فخلال الحملة الانتخابية التي سبقت الانتخابات التشريعية لسنة 2011 وعد حزب العدالة والتنمية المغاربة بتحقيق معدل نمو يصل إلى 7 في المائة في برنامجه الانتخابي. وبعد تنصيب الحكومة أواخر 2011، أصبحت نسبة النمو في البرنامج الحكومي هي 5 في المائة، قبل أن يصرح نزار البركة وزير الاقتصاد المالية بأن نسبة النمو المتوقع تحقيقها لن تتجاوز 4.2 في المائة.
في يونيو من سنة 2012 أعلنت حكومة بنكيران رسميا الزيادة في أسعار المحروقات، إذ أعلنت الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة أن أسعار استهلاك مواد البنزين والغازوال والفيول الصناعي ستعرف ارتفاعا٬ وذلك لمواجهة تقلبات أسعار المواد النفطية في السوق الدولية٬ مبرزة أن أسعار غاز البوطان والفيول الموجه لإنتاج الكهرباء ستبقى دون تغيير. إذ حددت الزيادة المطبقة على مادة الغازوال في درهم واحد لليتر٬ والدعم المتبقي الذي ستتحمله الدولة هو 3.35 درهم للتر٬ بينما ستتم زيادة درهمين اثنين لليتر في البنزين٬ والدعم المتبقي الذي ستتحمله الدولة هو 1.50 درهم للتر٬ أما الفيول الموجه للقطاع الصناعي فحددت الزيادة في 988.04 درهم للطن٬ وتتحمل الدولة 2000 درهم للطن.
كل هذه الزيادات انعكست بشكل مباشر على أسعار المواد الاستهلاكية من خضر وغيرها، ما جعل عبد الإله بنكيران يحاول إقناع المغاربة، عبثا، بأن الأسعار لم تتأثر إلا بزيادات قليلة. هكذا ظهر رئيس الحكومة في حوار مع قناة الجزيرة وهو يتلو أسعار المواد الغذائية من تفاح وجزر و"ليبانان".
بعد هذه الزيادات مباشرة، توقعت المندوبية السامية للتخطيط استمرار ارتفاع أثمان المواد الاستهلاكية، مرجعة ذلك إلى زيادة الحكومة في أسعار المحروقات. الأمر الذي دفع المئات من المتظاهرين إلى الخروج في عدد من المدن المغربية استجابة، في غشت من السنة الماضية، لدعوة أطلقتها حركة " 20 فبراير" للاحتجاج على ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، زيادة على بؤر احتجاج في العديد من المدن.
الفساد
اختارت العديد من الشعوب التي هبت عليها رياح الربيع الديمقراطي شعار "إسقاط النظام"، انطلاقا من تونس ومصر وغيرها من الشعوب، ولما جاء الدور على المغرب، الذي لم يسلم من نسمات الربيع ، اختار الشعب هنا المطالبة بإسقاط الفساد.
هكذا خرج العديد من الشباب يوم " 20 فبراير"، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إنهم رفعوا شعارات ضد من يعتبرونهم رموزا للفساد في البلاد. وأبرزهم أناس مقربون جدّا من الملك محمد السادس بشكل دفع المثار ضدهم احتجاج الشارع إلى التواري عن الظهور لفترة غير يسيرة.
رموز الفساد التي خرج الآلاف من المتظاهرين للشارع من أجل إسقاطها عبر عنها عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة بطريقته الخاصة، حين سماها بالتماسيح والعفاريت، دون أن يمتلك شجاعة الإفصاح عن قصده، لكن المتظاهرين في الشارع بقوا متشبثين بمحاسبة المفسدين الذين منحوهم أسماء وصفات.

0 التعليقات :