منذُ فجرِ التاريخ، والإنسانُ مجبولٌ على إيجادِ تفسيرٍ لظواهر الطبيعة، وبقدر ما كانَ يجدُ نفسهُ حائرًا أمامهَا، كانَ انشغالهُ بعزوهَا إلى قوى خارقة، يتخذُ أبعادًا أكبر، فالفراعنة، مثلًا، لمْ يكُونُوا يتورعُون، عنْ خصِّ النيل الذِي، جعلُوا مصر هبة له، بعروسٍ تلقَى فيه بكامل زينتها، درءً لفيضانه، واتقاءً لغضبه، بعدَ أنْ يزنُوها ذهبًا لأهلها.
مياهٌ جرتْ فِي النِّيل، وقرابِين كثيرة ما عادتْ تلقى، إلَّا أنَّ تفسِير الظواهر الطبيعيَّة من زلازل وبراكين وعواصف، لا زالَ ينهلُ، في آراء كثيرة، من الغيبيَّات، عبر القول إنَّ ما تشهدهُ دولٌ كثيرة من كوارث طبيعية، إنَّمَا هُو نتاجُ الابتعاد عن الله، الذِي شاءَ هلاك القوم، وإنْ كانَ أبرياء منهم، سيذهبُون ضحايَا.
وإنْ كانتْ العواصفُ الأطلنتيَّة التِي ضربتْ سواحلَ عددٍ من المدن المغربيَّة، مخلفةً خسائر ماديَّة، دون أنْ توقعَ أيَّ ضحايَا من المواطنين، قدْ دفعتْ البعض إلى لومِ المسؤولين عن الأرصاد، لعدمِ تعميمِ نشرةٍ إنذاريَّة، ونقدِ هشاشة البنية التحتيَّة، فإنَّ ثلَّةً أخُرى ربطَتْ بين الأمواج بينَ ما قالتْ إنَّهَا فاحشةٌ آخذةٌ في الاستفحالِ.
هسبريسْ نقلتْ سؤالَ العاصفة، وما أعقبها من نقاشٍ سار في مستويين، واحدٌ يفسرها بالعلم، وآخر يعتبرها تنبيهًا من الله، إلى أستاذ علم الاجتماع، بجامعة ابن طفيل، عمار حمدَاشْ، والباحث في العلوم الشرعيَّة، الحسن بانبُوز.
بانبوز: الكوارث الطبيعية تنبيهٌ من الله
من وجهة نظر الدِّين، يقول بانبُوز إنَّ الزلازل والعواصف وباقِي الظواهر تنبيهٌ من الله إلَى أنَّ الأمَّة ليسَتْ علَى ما يرام، لما يحصلُ فيها من فسوقٍ ومنكرات، مستدلًا بحديث للنبي (ص) يقولُ فيه "يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، لتسألهُ عائشة؛ يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ فقال : نعم إذا ظهر الخبث.
واعتبر المتحدث ذاته، الفاحشة متى ما شاعتْ كفيلةً بأن تؤلبَ الغضب، الذِي يهلكُ فيه الناس جميعًا، "ولذلكَ لا يستقيمُ القول إنَّ لكلٍّ امرئ أنْ يأتِي ما شاء، ما دَامتْ عواقبُ تلك المعاصِي، تطالُ الناس جميعًا، بصالحهم وطالحهم، قبل أن يحاسبُوا على ما كسبُوا، محيلًا إلى ما رواهُ النعمان بن بشير عن النبي (ص) (مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا؛ كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا, وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا, فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِن الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ, فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا, فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا, وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا) رواه البخاري.
حمدَاش: نحن في حاجةٍ إلى تنشئةٍ علميَّةٍ
من ناحيته، يرَى أستاذ علم الاجتماع، أستاذ علم الاجتماع، بجامعة ابن طفيل، عمار حمدَاشْ، أنَّ النظرَ إلى غضبِ الطبيعة من زاوية المرجعيات المتداولة في الثقافة الشعبيَّة، وطلب اللطيف، يحيلُ بالأساس إلى إدراك الإنسان حجمَه وحجم قدرات الكائن البشرِي إزَاء قوَى الطبيعة، التي غالبًا ما يندهشُ أمامهَا الكائنُ المحدود القوة.
ومهمَا كانت مرجعيَّات النظر، وفقَ حمدَاش، فإنَّ السياق الثقافِي المغربِي يحيلنا إلى حضورٍ باهتٍ لثقافة العلم، وإدراك الطبيعة بقانونها، وفهم خصوصية كل ظاهرة طبيعية ارتباطًا بما يحيطُ بها من قواعد محركة ومؤثرة فِي أدائهَا.
وتابعَ الباحث ذاته "هذه الثقافة العلميَّة الضعيفة إلى حدٍّ كبير، تحتاجُ إلى تشغِيل آلات تنميتها؛ الإعلاميَّة منها والتربويَّة، وحتَّى داخل المؤسسات الموازية الأخرى، لأنَّ العاصفة الأطلنتيَّة التي عرفها المغرب، في الليلتين الماضيتين، يسائل تدبير المجالات الترابية الوطنية، بالمدن المغربية، أساسًا، التي لا تحترم في الغالب شروط الاستغلال القانوني للملك العمومِي؛ بما في ذلك الملك البحرِي".
حيثُ إنَّ عددًا من المناطق المتضررة، حسب الباحث، هيَ عبارة عن امتداد عمرانِي إلى فضاءاتٍ ما كان ينبغي أنْ يشملها الامتداد، "وكأننا لا نأخذ بالحسبان مثل تلك التقلبات المناخية، والظواهر الطبيعية، التِي لا بدَّ أنْ تحدث مهما طال الزمن، مهما بعدت المسافة بين غضبةٍ وأخرى للطبيعة".
"من المؤكد أنَّ تلك اللحظَات المفاجئة، تربكُ فهم الناس، بصرفِ النظر عن المؤشرات الثقافية الحديثة، التي لا يمكن تشكل عناصر للتفكير في ذاتها، ما لمْ تكن منتظمة ضمن رؤية متكاملة، فنحنُ نعلمُ جميعًا أنَّ اليابانِيَّ يواجهُ أزيد من كارثة طبيعية في السنة الواحدة، إلَّا أنَّ قواعد التعامل العقلاني والعلمِي، مع الكارث، مهما كانت شدتها، تلقنُ للناشئة منذ السنة الأُولى، سواء في المدرسة أوْ في الفضاء العام، فلا يحدث لديه هول الطبيعة مفاجأة، مربكة في السلوك وردة الفعل، ويتصرفُ وفق القواعد العقلانيَّة العلميَّة، التِي يتدربُ عليها وهُو لا يزالُ طفْلًا" يقول حمداش.
بيدَ أنَّنَا بعيدُون من ذلك، يؤكد الباحث، رغم مؤشرات الثقافة العلميَّة الحديثة، التي صارتْ تلقحُ عقولنا في السنوات الماضية، سواء في الطب أوْ فِي تدبير بعض الأحداث، والتفاعلات النفسيَّة والاجتماعية، أوْ فِي تنظِيم الحركة الاقتصاديَّة، حتى أننا نفهمُ التسونامِي اليوم، بشكلٍ أفضل، وندرِي متى تتهاطل الأمطار، وكيف نتعاملُ مع بعض الظواهر.
وعنْ السبب الذِي يبعثُ الناس على ربطِ ظواهر طبيعية بمعاصٍ وآثامٍ، يعتبرُ حمداش الربْطَ صورةً لأفعال لا يرضَى عنها مرتكبُوها، "وهنَا يوجدُ الخلل، نظرًا للمسافة المعرفيَّة الكبيرة التي تفصل بيننا وبين العقل الحديث، وحتى ينصرفَ الناس إلى التفكير في الوجهة الصحيحة، علينا أنْ نقول لهم؛ إنَّ هول الطبيعة ما كانَ ليدمر بعض الإقامات السكنيَّة، أوْ فضاءات التنزه، لوْ أنَّها احترمتْ المسافة القانونيَّة المطلوبَة لاستغلال الفضاء القريب من البحر، أوْ مواقع هشَّة جيولوجيَّة، فالتفكير بهذه الطريقة هو القادر على أنْ يعقلنَ النظر
0 التعليقات :