قال الله تعالى ((اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ

الأحد، 5 يناير 2014

ما سبب الذي يخضع له المغرب مدونة الأسرة لـ"الشريعة" دون باقِي القوانين؟

لا ندرِي لأيِّ سببٍ، يكونُ القانونُ فِي المغربِ قانونًا وضعيًّا مدنيًا، بما لا بتر معهُ ليد سارقٍ، ولا رجمَ لزانٍ، وقدْ عطلتْ الشريعة فِي كلِّ المناحِي تقريبَا، ويبقى حقلُ المرأة استثناءً يتيمًا، ما إنْ يفتحُ النقاش بشأنه، حتَّ تبرزَ جيوبُ المقاومة وينطلقَ العويل"، ذاكَ بعضٌ مما كانَ قدْ أثيرَ قبلَ أسابيع في لقاء بأكادير، حولَ ملاءَمة مقتضيات الدستور المغربِي، مع الاتفاقيات الدوليَّة ذات الصلة بحقوق المرأة.
النقاش المذكور، جرَى في الرابع عشر من ديسمبر الماضِي، أيْ قبل دعوةِ الكاتبِ الأول للاتحاد الاشتراكِي، إدريس لشكر، أمامَ نساء حزبه، إلى مراجعةٍ أحكام الإرث وتعدد الزوجَات، في القانون المغربي. الأمرُ الذِي جرَّ عليهِ وابِلًا انتقاداتٍ من مشاربَ مختلفة، بعضهَا كان رئيفًا، ولمْ يتعدَّ في التفنيد بيانَ حسمِ الإسلام في المسألة، بينمَا لمْ يترددْ الشيخُ السلفِيُّ أبُو النعِيمْ، فِي تكفيرِ لشكر، وعددٍ من المنافحِين عن الحداثَة في المغرب، ذاهبًا إلى حدِّ وصفِ الاتحاديَات بالبغايَا.
بينَ الدعوتين، مسافةٌ من الأسئلة، لا تبدُو الإجابَة عنهَا متأتيةً بيسر، نظرًاإلى مساءَلتها طبيعة الدولة برمتها، التِي يردُ في تصدير الدستور الجديد، أنَّها إسلاميَّة.
ففي الوقتِ الذِي تتخذُ القوانين في المغرب طبيعة وضعية، وتوقفَ عن تنفِيذ حكمِ الإعدامِ منذُ سنوات طويلة، لا يزالُ متحفظًا في اتفاقيَّة إلغاء جمِيع أشكال التمييز ضدَّ المرأة، على أجرأة ما يتعارضُ ومقتضيات الشريعة الإسلاميَّة، على اعتبار أنهُ لا اجتهاد مع وجوة والنص، وهُو تحفظٌ ينسحبُ بصورة مباشرة على إحكَام الإرث، فيمَا لا تزَالُ منظماتٌ حقوقيَّة تطالبُ بتجريمِ تعددِ الزوجَات والقطعِ مع تزوِيج القاصرات في المغرب.
ضريفْ: كلُّ القوانين وضعيَّة في المغرب
هسبريس نقلتْ السؤال إلى الأستاذ والباحث في العلوم السياسيَّة، محمد ضريف، فقالَ إنَّ جميع القوانين في المغرب قوانين وضعيَّة، بمَا في ذلكَ قانون الأسرة، لأنَّ اعتبار قانونٍ مَا قانونًا وضعيًّا، لا يرتهنُ بمرجعياته، التِي ليستْ واحدة، أنَّ "مدونَة الأسرة في المغرب، لا تطرحُ من زاويَة قانونيَّة صرفة، وإنمَا دينيَّة أيضًا، نظرًا إلى استنادِ الملكيَّة في المغرب، إلى المشروعيَّة الدينيَّة، بجانب المشروعيَّة التاريخيَّة، ومشروعيَّة الممارسة السياسيَة الحديثة".
ضريف عزَا الأمر إلى اختصاص إمارة المؤمنين فِي المغرب، بكل الممارسات ذات الصلة بالدين أوْ الشريعة، من منطلق توحِيد الأمة على المستوَى الدينِي، كيْ لا يشرع الباب أمام كثرة التأويلات، التِي قدْ تفضِي إلى الانقسام، فيمَا أتيحتْ التعدديَّة في الحقل السياسي، باعتبارها خيارًا محمودًا، "وقدْ كانَ موقفُ الملك الراحل الحسن الثاني، واضحًا غير ملتبس في هذا الباب، حين تعالتْ أصوات، إبان التسعينات، لإقرار بعض المطالب النسائية، فأوضحَ أنَّ المجال المرتبط بأحكام الشريعة يبقَى من اختصاص الملكيَّة والعلماء، بعيدًا عن الأحزاب السياسيَّة، كمَا أنَّ الملك محمدًا السادس، أكد حين وافقَ على تقرير لجنة مدونة الأسرة، أنَّهُ، بصفته أميرًا للمؤمنين، لا يمكنُ أنْ يحلَّ حرامًا ولا أنْ يحرمَ حلالًا".
الباحث ذاته، زادَ أنَّ مدونة الأسرة، تعتمدُ مبادئَ من الفقه والاجتهاد البشرِي، لا الشريعة، كما أنهَا منفتحة على مذاهب أخرى، فرغم أنَّ المغرب مالكيٌّ في أحكامه، نهل من الفقه الحنفِي، وهنَا لا بدَّ من الإشارة، إلى أنَّ القانون وإنْ كانَ وضعيًّا، فإنَّ لهُ مرجعيته، كالقانون الوضعِي الأمريكي، على سبيل المثال، الذِي يمتحُ من بعض التعاليم المسيحيَّة، ولا أحدَ يتهمهُ بالازدواجيَّة" يقول عصيد.
وعمَّا إذَا كان إقرارُ المغرب بسمو المواثيق الدوليَّة، والإبقاء على بعض الثوابتْ والخصوصيات في الآن ذاته، يضعنا أمام ازدواجيَّة، أردف ضريف أنَّ الدستُور المغربيَّ أثار إشكالاتٍ أكثر مما قدمَ حلُولًا، لأنهُ أراد أنْ يرضِي الجميع، وهو ما سيجعلنا مضطرين في المغرب، إلى إدخال تعديلات في المستقبل.
أمَّا عن الدعوات الصادرة بشأنِ المساواة في الإرث وتجريم تعدد الزوجات، فاستطرد ضريف "إعدادُ القوانين لا يمكنُ أنْ يتجاهلَ البنيات السائدة في المجتمع لأنَّ ذلكَ سيكُون بمثابة انتحار، وكلُّ الدول الديمقراطيَّة تدرجتْ في وضعِ دساتيرها وقوانينهَا، وراعتْ البنيات الثقافية في المجتمع، وبالتالِي فإنَّ تلك المقترحات في مجتمعٍ متدين، رغمَ ما قدْ يقال عن طبيعة التدين وأشكاله، لا تكون ذات صدى، لأنَّ المشرع يأخذُ البنية الأوسع من المجتمع بعين الاعتبار، أكثر مما يلقِي بالًا للنخبة ومطالبهَا".
أميلِي: الإشكال في العقليَّة الذكوريَّة
من ناحيتها، تعزُو ليلَى أميلِي، رئيسة جمعيَّة جسور ملتقَى النساء المغربيَّات، الاقتصارَ في الاحتكام إلى الشريعة، على ما يهمُّ وضعَ المرأة، إلى عقليَّة ذكوريَّة، "أنَا لا أقصدُ هنَا الرجال، وإنمَا بعض العقليَّات، التِي لا تقفُ حجر عثرةٍ في طريق النسَاء، وتريدُ إبقاء الباب مشرعًا أمام تزويج القاصرات، رغم أنَّ القضاء يتحدثُ عن سلطة تقديريَّة للقاضِي، أضحَى معهُ زواجهن قاعدةً لا استثناءً، شأنَ حالاتِ تعدد الزوجات، التِي يمكنُ معهَا، للرجل، أنْ يتحايلَ على القضاء، حتَّى وإنْ كان لا يتوفرُ على ما يثبتُ أنَّ زوجته مريضَة، وأنَّهُ في حاجةٍ بالفعل إلى الزواج ثانية"، تقول ليلَى.
الناشطَة الحقوقيَّة، أردفتْ فِي حديثٍ لهسبريس، أنَّ المطلوب، في يومنا هذَا بالمغرب، ليس هُو العمد إلى تجريم التعدد وزواج بصورةٍ نهائيَّة، وإنمَا فتحُ نقاشٍ علمِي رصينٍ، يدلِي فيه فقهاء متنورُون بآرائِهم، التِي تأخذُ أمورًا كثيرة بعين الاعتبار، ما دامَ القرآن قدْ تحدث عنْ صعوبة العدل، كمَا أنَّهُ من الصعوبة الاستمرار في قبول زواج القاصرات، اللائِي تظطرُّ الكثيرات منهن، إلى مغادرة الدراسة كيْ يصبحنَ أمهاتٍ، وهنَّ لمْ يبلغنَ بعد الثامنة عشرة.
وتابعتْ المتحدثَة ذاتها، بأنَّ ثمةَ إشكالاتٍ أخرى، ينبغِي امتلاك شجاعة الاقتراب منها، كالإجهاض، الذِي تتمُّ مئاتُ الحالات السريَّة منه في المغرب لكنَّهُ لا يزالُ طابُوهًا، رغم أنَّ بعض الحالات، في زنَا المحارم، تلحُّ في المسألة "فهلْ لفتاةٍ تعرضتْ لاغتصابٍ منْ والدهَا على سبيلِ المثال، أنْ تبقيَ الجنين في رحمهَا، ليكونَ ابنهَا وأخهَا في الآن ذاته، عند الوضع، ذاكَ وضعٌ هجين" ! تستطردُ المتحدثَة.
في سياقٍ ذِي صلةٍ، زادتْ أمِيلِي "ما منْ مرَّة أثيرتْ فيهَا حقوق النساء، إلَّا ورفعتْ فزَّاعة الدين، من قبل بعض من يعتقدُون أنَّهم حازوُا الإسلام لوحدهم، ونحنث نتذكرُ كيفَ أنَّ خُطَّة إدماج المرأة في التنميَة، التِي صاغهَا وزير الأسرة السابق، سعيد السعدِي، لاقتْ هجومًا، وكثرَ التغليطُ في إيصالها مراميهَا للناس، لقدْ كانَ هناك أنَاسٌ لمْ يطلعُوا عليها يطرقُون أبواب النساء الكبيراتْ ليقولُوا لهن "راهْ إيلَا دازتْ ألحاجَّة، بنتكْ غادِي تبقَى تدخل مع 4 د صبَاح"، بكثيرٍ من التعوِيم".

0 التعليقات :